صباحي أنتِ
(قصاصات)
نسرين محمد نور
العنوان: صباحي أنتِ (قصاصات)
المؤلف: نسرين محمد نور
تصميم الغلاف: منصة ليلى الثقافية
ترقيم الكتاب بالمكتبة: 180030021
https://laylacp.net/webaccess/book_view.php?id=180030021
جميع الحقوق محفوظة © 2018 منصة ليلى الثقافية
Copyright © 2018 Layla Cultural Platform (LCP)
هذا المُصنَّف مرخص بموجب رخصة المشاع اﻹبداعي نَسب المُصنَّف – غير تجاري – الترخيص بالمثل 4.0 دولي
Attribution-NonCommercial-ShareAlike 4.0 International
إليكِ ..
يامن جعلتِ صباحاتي مشرقةً بك ..
كوني بخير ..
يتأهب الصبح ليظهر للدنيا بكامل زينته.. فقام الفجر يلملمُ تغريد الطير و هديل الحمام و صنع منها لحن حضور..
و راغ إلى الأشجار يجمع من أوراقها قطر الندى و مزجه مع رحيق الأزهار ليرشه على طول الدروب التي سيشرفها موكبه المهيب..
و بعدما أتم كل مهامه؛ جاءني يطرق بابي.. يستأذنني أن أعيره إيّاكِ لتكتمل ملامح الكرنفال..
أنتِ لستِ لأحد.. فأنتِ سعادتي و نبض قلبي أنا .. حتى و إنْ بقي الليل ضيفاً دائماً على الدنيا ، لن أتقاسمكِ مع أحد..
يكفيني أنكِ شمس دفئي و أريج زهري و أشياء أخرى كثيرة..
صباحي أنتِ..
تعبرينني و شوقكِ كزورقٍ اعتادَ معانقة الموج ليلاً.. يرسم الإهليج على وجه قلبي.. يوقع عليه..
و أنا ضوء منارة عجوز.. تجالس القمر كل ليلة..
تنتظركِ نورس لقاء..
صباحي أنتِ..
أرجوكِ لا تُغيبي حضوركِ عني..
حتى و إنْ نفذ وقود تنوري و تلاشى عبق الكافيين من أنفاسي..
لا تحرميني جلستكِ بين أوراقي و أقلامي.. حتى لو أنطفأ فتيل قنديلي..
قيّدي لي من مقلتيكِ نوراً..
تشتاقكِ طاولة الحكايا و أفتقدُ لكِ يا قدح قهوتي..
صباحي أنتِ..
يا جنة الله في أرضه..
و يا بلاد العشق الجميلة..
أود أن أحبس نفسي داخل حدودكِ..
لا أحد يتعداني و يخطو داخلكِ..
تبقين لي وحدي..
أنثر أريج محبتي على نواحيكِ و أبني لي أكواخاً من مودة في كل أركانكِ و زواياكِ..
أبقى فضل عمري عندكِ..
أتنفس السكينة و أقتات السلام..
صباحي أنتِ..
أدور في ساحات حبي لكِ.. كطفلةٍ تحتفل بتنورتها الجديدة.. فراشةً تملأ الحقول فرحاً و سعادة..
تخيليني و أنا أدور و بيدي قوس المطر..
أصبغ الشوارع باللون البنفسج .. و أخلع على الأبنية لون الورد..
و أمسك ريشتي و أرسم سيد الأبجدية الألف على أبواب دور الحواري و بين جدران الأزقة..
و عند بابكِ تخور قوايّ .. ياااااااه كم يتعبني الشوق لعينيكِ.. و أستجمعني و أنهضُ فصباحي أنتِ..
لكِ سحر الكمان في تطريب الروح، لا أدري كيف تستطيعين موسقة كل أشيائي و كل ذاك النشاز يعتريني و يجعلني أتلعثم و أنا أتجاذب أطراف الحديث معكِ.. تتجلى لغتي و تنتظم قوافيّ بمجرد أن أتنفسكِ..
صباحي أنتِ..
أشتهيكِ متكأَ غدوٍ و رواح..
أُلْقي إليه كلّي و أشتاتي و ﻻ أبالي..
أشتهيكِ كوفيةَ صوف تكسو رأس قلبي تهديه الدفء و كانون يبث رياحه..
تتغلغل حتى النخاع..
أشتهيكِ..
قطعة حلوى ﻻ أجرؤ أمدّ يدي ﻷتناول بعضها..
يكفيني مجرد النظر لأرضى حد الشبع..
أشتهيك قدح قهوة..
يستفيق بها صباحي..
أشتهيك أريجاً..
يعطّر أردان روحي و يملأ بالطيب أيامي..
صباحي أنتِ..
أشتاق أن أمسك طبشورتي وأرسم على حوائط الدور التي تستقبل عينيك كل صباح..
حتى لو لم تلمحيها.. أثق أنها تنتظرك بلهفتها كلها..
أود أن أعمل خط يدي الجميل على امتداد كل درب تطرقه خطاك..
فتخبرك اﻷزقة و الحواري أنني قد مررت من هنا و كتبت بعضك و تركته أمانة في عنقها..
أشتهي أن أتلبّس جسد ذاك العجوز الذي يضع كرسيه تحت شجرته العتيقة كما بيته و يطالع باب بيتك..
ويمشط الشارع بعينيه .. يعرف اﻵتي و الغادي..
إلا أنني سأبقي عيني على ذاك الباب..
سأملأ رئتي بذاك العطر..
سأخبئ وقع تلك الخطى في عمق قلبي..
سأحفظ نبرة ذلك الصوت و أعلقها تميمة على روحي..
صباحي أنتِ..
تصبحين يا مدائن محبتي على مناخات حبي الإستوائية..
دافئةً ماطرةً صيفا..
معتدلةً ماطرةً شتاءا..
و أظل في الربيع أجمع لك كل الورد الأبيض و أصنع منه قبة ضخمة..
يضوع أريجها و يملأ الدنيا بهجة..
ثم أحمل مظلتي أتقافز هنا و هناك خريفا..
كأرنب أبيض يحاول اﻹمساك بطرف قوس المطر..
لعله يلوّن كل الورد اﻷبيض الذي جمعته..
ويهديك إيّاه سلّة كبيرة في الفصح..
فيباغتني موسم شوقي لك..
فيضيع مني درس الجغرافيا..
صباحي أنتِ..
يوماً ما..
عندما قلبي صبيّا ً ..
كنتُ أُراقص أمنياتي و أُسمع العالم دقات قلبي..
كنتُ أرقبُ السماء تتنفس أول خطوات النور..
كان مخاض الصباح بهيجاً..
أتسللُ مع ذاك الضوء و أشاهده كيف يضفي على الكون الجمال..
الآن شاخ قلبي و أصبحتْ أمنياته عكازته التي يتوكأ عليها و يهشّ بها على ذكريات صباه و ليس لها مآرب أخر..
باتتْ قدمايّ تمقتان الإيقاع و تستهجن مسامعي عذوبة التغريد و حفيف الشجر..
ذوتْ كل البهجة ..
اضمحلّت كل الصباحات البهيّة..
إلا من نافذةٍ واحدة..
تطلين منها فيعود قلبي صبيّا ً من جديد..
أُحِبُكِ جداً..
و صباحي أنتِ..
ليلاً .. أغمضُ عينيّ جيداً حتى لا تتسلل أحلامي بعيداً..
أحبسها بين جفنيّ و أستمتعُ بلحظاتها.. و إن كانت قليلة..
صباحاً.. أغمضهما جداً.. خوفاً على ما تبقى من الأخيلة و الرؤى من أن تضيع..
و في فضل اليوم.. أجلس أرود رمل أحلامي.. و ابتسم جزلاً أنها تحملكِ إليّ لقيا رغم الغياب..
صباحي أنتِ..
ياااااه لو بيدي عصا سيدنا موسى أشقّ بها عباب البحر و أعبر إليكِ كلما هزني شوق أو تلاعب بي حنين..
أو مُلّكْتُ بساط سيدنا سليمان يأخذني إليكِ ..
قبل إرتداد طرف قلبي..
يا من تسكنين تلك المساحة الضيقة بين حنايا الروح و تتابع الأنفاس..
صباحي أنتِ..
أشتهي أن أصير سحابة.. كي ينهمر دمعي و لا يسألني أحد عن سبب بكائي..
أتمنى أن أصبح شعاع شمسٍ كيما أستطيع أن أتلصص على كل الشرفات و النوافذ لعلي ألمحكِ..
كم أود أن أكونكِ.. بعضكِ.. شيئاً من فتات خبزكِ على مائدة طعامكِ..
قطرة ماء تسيل من كأسكِ.. نفحة من عطركِ.. دبوساً على معطفكِ..
صباحي أنتِ..
تعلمين.. أنا كلما احتجتُ أن أبتسم أبحثُ عنكِ في قلبي..
و أظل أعاقر ذكريات تمنحني شغف الحياة أخرى..
مؤملة أنني سأعود يوماً لألقي غربتي أمام أقدام لقياكِ..
و تباغتني دموعي.. و تجثم أشواقي على صدري..
أبتسم رغماً عنها.. لأنكِ قطعة من روحي و بعض من حروف اسمي..
و لأن صباحي أنتِ..
صرت كالأطفال عشية عيد القديسين.. أتلهفُ أن تغرب الشمس خلف عينيكِ.. أن يغمرني آخر إحساس من دفئها .. و أخرج ليلاً أطرق الأبواب .. أجمع قطع الحلوى ..
فرحةً بالزي الذي رتقته من أسمال أشواقي ..
فلا أحد يملك مثله.. لأن شوقي لكِ لا يعرفه أحد و لن يشعره أحد..
ثم أعود لبيتي بعدما أكون قد أنفقتُ كل ما جمعته لصبح يأتي بكِ..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ.. و حبات المطر تغسل عن تضاريس الروح بعض العنت..
كأنما الرياض تقاسمني طقسها الجميل و هي ترحب بشباط..
ازدردتُ قهوتي و بعض من قطرات المطر تساقطتْ على حافة فنجاني و أمتزجت بدمعة شوق عصيّة انسابت على خدّ قلبي.. رغم أنها قليلة السكر .. إلا أن مجرد التفكير بكِ يضفي عليها طعماً آخر..
أُحِبّكِ جِداً..
صباحي بكِ يبدأ..
كسيدةٍ عجوز.. اعتادتْ أن ترشف قدحَ قهوةٍ في وقت محدد..
بدرجة حرارة معينة.. و هي تستمع لأخبار المذياع..
تحمل قدحها ذاك و تعزل نفسها عن كل العالم..
فقط لتستمتع بصباحها..
و أنتِ رجع كل الذكريات الجميلة.. و التفاصيل اللذيذة التي تحاكي قدح تلك القهوة..
صباحي أنتِ..
عندما تمطر..
أشعر أن قطرات ذاك المطر تسربت حتى أقاصي الروح..
حيث تجلس أشيائي تحت أسقف القش المعبق برائحة الشوق..
تنوء بأحمالها من زاوية ﻷخرى..
عندما تمطر..
تكونين أول الخاطر ..
أدع أشيائك تخرج لتلاعب امتزاج الماء بالتراب..
فتخلق طينا يرتّق ما مزّقته غربتي عنك..
و تكملني..
عندما تمطر..
يهيج في قلبي شوقي ﻹحتواء يديك و البكاء..
وأشتهي من عمق قلبي لو كنت قوس ذلك المطر يطل عليك من السماء..
لكنني عندما تمطر..
لا أملك غير الدعاء..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
و أنا كنيسة ترتقب الأحد بكل لهفة الدنيا..
تشتهي صوت الأجراس و تردد الترانيم بين جدرانها..
تقدم القرابيين ..
خبزاً إلهياً و نبيذاً..
تمنح كل الحاضرين صكاً موثقاً بالغفران..
احتفالا بكِ..
ربيعاً يخجِل آذار و يجعله ينحني أمامك رافعاً قبعته..
يتنحّى عن عرش النيْروز لأجلهما عينيكِ..
آمرا أيامه أن تنثرني على طول الدروب المفضية إليكِ..
ورداً أبيضاً..
لعلي في كرنفال الفرح..
ألقاكِ..
يا عساي ألقاكِ..
تتلخصُ غايةُ الخلقِ في عبادة الله عزّ و جلّ ..
ثم تُركتْ لنا باقي غاياتنا نفعل بها كيف نشاء..
أنا أخترت أن أكون وسادة وسنك..
ودثار ارتعاشات قلبك..
ومنديلاً أبيضاً يحتوي أدمعك..
اخترت أن أصحو صباحاً و أنت أول ما يخطر في بالي و أن أغفو ليلاً و أنا أرددك مع أدعية نومي..
و أن تكوني فراشةً تجول بخطرها داخل روحي كل كآبتي فرحة و سعادة..
اخترت أن أمسك قلمي و أكتبك علنا على ملامح أحرفي و صفحاتي..
اخترت أن أجعل لك قلبي مخدعاً و مسكناً و ملاذاً..
اخترت أن أحبكِ جداً جداً جداً..
يا حبيبة روحي و صديقة عمري..
صباحي أنتِ..
عيناكِ.. ذاكَ المكان الذي لا أقوى أسّتقِرُّ فيه.. تجدينني أهربُ كلما ضَبطّتني و أنا أُحاولُ أنْ أصنعَ لي كوخَ مراقبة.. لأتلصصَ على قلبكِ لحظة أشاء.. و حتى أطمئنُ أنّ روحكِ تُحبني كما أفعلْ..
أستجمعُ كل طاقة في جسدي و أنظرُ في عُمقِهما لعلي .. ربما.. صدفةً لمحتُ فيهما بعضَ ما تكتنزين.. و لكنني أعودُ خاويةَ الوفاضِ إلا منْ بعضِ زاد و شيءٍ من أملٍ أنني سأقوى يوماً أن أحاور عينيكِ دونما أن أخافَ أو أَجْبنَ أو.. أتذكر أنني سأسافر عنهما و ربما أني لن أعود..
ياااااه كم يُحبكِ قلبي..
صباحي أنتِ..
و كلما تكرّم الله عليّ بلقياكِ و تلطفتْ عليّ اللحظات بأن تمتلئ عيني بكِ ..
لا أجد غير السجود شكراً و حمداً لربي..
لو تعلمين كيف أنني وددتُ لو يصمت كل ما بحولي.. من حديث أفواه و حفيف شجر و ضوضاء ليل..
أن تختفي نوتات الموسيقى و تسكن حركة المرور.. لأستوعب حتى رجع أنفاسكِ و تتباع نبض قلبكِ..
ياااااااااه لو تعلمين كيف يصنع بي حضورك، رغم استبسالي أن أستجمع رباطة جأشي و أنتِ كالشمس بجانبي.. يسقط ظلكِ عليّ و تكاد مغانط الروح أن تجذبكِ إليّ.. أنانيةً فيكِ.. إستئثاراً بكِ .. دونهم جميعاً..
هنيئاً لي بلقياكِ زاداً حتى آتيكِ أخرى..
أحبك جداً.. جداً أفعل
صباحي أنتِ..
صَباحِي أَنْتِ..
وَ خُطُواتُ الليلِ قدْ رسَمتْ علَى بِساط اليوم خارطةً طريق..
أسيرُ عَبرها لأصلَ لَكِ حُلماً..
و أنت مبلغ كل الأمنيات..
بؤرة الضوء التي يستمد منها الصبح بهاه و تستدين منها الشمس الدفء الذي تتفضل به على الأرض..
صباحي أنتِ و الشمس تطرق باب اليوم برفق..
ترشق بشعاعها نوافذ الروح ..
و تتجلى في السماء كلمحةٍ من دفئكِ و بهاكِ..
صباحي أنتِ و أنا ما أزال أتزمل ببقايا غطاء السحر و خيوط الفجر تحيك ثوب البكور..
و أيلول الحبيب قد حل علي ضيفاً..
عذراً فعيني مثقلتان نعاساً..
فقد كنت أتجاذبك أطراف حديث معه..
ماذا سنهديكِ فيه و أنتِ من جعلتِ أيامنا أعياداً..
أنتعل خطوات شوقي و أشدّها لعلّي آتيك قبل أن تذوب قطعة السكر تلك..
وأجد سماء الخرطوم ملبدةً بالغيوم كأنها تتحداني ألا أصلكِ اليوم رغم شوقي ذاك..
فأمسك )هبابتي) وأهش بها عليها..
كمن يرجو من شرارة أن تصير أجماراً..
فإذا بكِ و ذاك القدح تتبديان..
وابتسم..
فأنتِ يا قهوتي حكايا عشق لا تنتهي..
وصباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
برغم أنكِ تتوسدين يدكِ و تغزلين على نول النوم..
وأنا أحمص قهوتي هذا الصباح و أتسربل بشيْ من نسيم..
وأتشبث ببقايا حلم كنتِ فيه..
وأزدرد دمعة شوق عصية..
ساورني حلم جميل..
أن درب اللقاء افترشته باقات ياسمين..
و أن كل خطوة تأخذني إليكِ تطبع عطرها في عمق روحي..
صحوت و أريجها يزكم أنفاسي..
يا أنفاسَ فجري..
صباحي أنتِ
أغزل من أمنياتي سجادة..
وأفترشها على أديم الذكرى..
وأوقد على بعض الذي مضى..
فيمنحني دفئاً و نوراً و بخوراً..
تزدحم الدخون أمام عيني..
فتتبدين ناراً تجعل شعاع الشمس ينحني لكِ..
تاركاً لكِ الألق و الضياء..
أرود رمل الأمنيات قليلاً..
فأراه يرسم مسارات و دروب ..
وكلها إليك تقود..
كانون ذاك ضمك لقيا و ورحيل..
فهل في العمر بقية لأضمكِ إلي أخرى..
يا نيلاً يمد شراييني حياة..
صباحي أنتِ..
ما بين تصبحين على خير ..
وأصبح أنا و دنياي على خير بكِ..
ألف أمنية و ألف أحجية و ألف أغنية..
كلها بسيد الأبجدية تبدأ..
صباحي أنتِ..
في هذا الصباح الآذاري الجميل..
الشمس تستجدي الغمام إطلالة على الأديم..
بعدما قرع الرعد مزمجراً أبواب الليل ..
وسابقه نصل البرق يمزق أنياط السماء و مسامعها..
ثم جاء وقع حبات المطر ليطمئن القلب كتلاوة لسورة يس بصوت نوراني فخيم..
وليقول: صباحي أنتِ..
كم أود لو تمسك حروفي بأيدي بعضها و تصنع لكِ من كلماتي أرجوحة..
تجلسين عليها كلما داهمكِ التعب..
وتبتسمين جزلى و هي تحكيكِ كيف أحبكِ..
أود لو أكون شفافة لتتحسسي كيف أن قلبي ضيق على محبتي لكِ..
وكم أود لو أبقى فضل عمري أحيك لكِ من شوقي عباءة فضفاضة بقدره..
صباحي أنتِ..
أزاحم مناكب الزحام الذي تفتعله هذه الغيوم التي تتلبس سماء الرياض..
أبحث عن شعاع الشمس يهديني إياكِ نور صباح..
يخبرني أن نيسان يكاد ينتصف معلناً مواسم المصيف..
وأن هذا الهطل السخي إنما يرطب كف الأديم كي يتفتق نوار البرتقال..
وصباحي أنتِ..
لا تغضبي من غيابي أرجوكِ..
فقد كنت أبحث عن قميص الصديق يوسف..
لألقيه على وجه كلماتي..
لعلها تبصر وجد أحرفي ..
و تراكِ..
لعلها تنتظم أخرى و تتحرر في مداكِ..
أن تكون شيئاً منك..
مثلاً جميلة.. كماكِ..
أنيقة لتتحسسها يداك..
صباحي أنتِ..
تصبح الدنيا عليكِ..
يا خيرها و طيبها و جمالها..
و أصبح أنا عليكِ..
قلباً ينبض بداخلي ..
و صوتاً حبيباً يتردد صداه في جنبات روحي فيجعلني أسعد خلق الله..
كأنما لا يتنفس الصبح إلا لعينيكِ..
صباحي أنتِ..
صباحكِ قبلتان..
واحدة فوق جبين الشمس و أخرى تناثرت مع زخات مطر البارحة..
أخذتا بعضي و مزجتاه مع حبات الرمل و أرصفة الشوارع و أحذية المارة..
لعله يعلق في بعض أشيائكِ..
فيصيبني دفء يحرج هذا البرد الذي يعتريني..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
وآذار تاجر عجول..
يجرّد ما تبقى من فضل أيامه..
يكاد يوزعها على خلق الله خوفاً من أن يتأخرعن رحيله عني..
يرقبني و أنا أتلصص عليه من نافذتي..
كأنما يقول لي أني قد هممت بالرحيل..
فما أنتِ صانعة أمام نيسان و أيار و حزيران؟..
و تجيبه ابتسامتي ..
سيمضون كما فعلت..
و تموز من أنتظر..
أجلس على كرسي ذكرياتي..
أملأ رئتي بكِ..
وأرتشفكِ بإستكانة..
رغم قطعة السكر الواحدة..
مجرد التفكير بكِ يحلي كل هذه الدنيا..
صباحي أنتِ..
مرةً في كُل عامٍ..
تلتفُ حُروفِي حَوْلي و تَتَحلقُني كُل مشاعِري و تنْتظرُ ماذا سَأبُوحُ أيّلول..
و قَدْ أهْدانِي إيّاكِ..
كَلمَاتِي و إنّ تَلبستْ عطْرَ الياسَمين..
أوْ تزيّنتْ بنوّارِ البُرتقال..
ورقَصتْ علىٰ وقعِ المَطر..
وطَرزّتْ لكِ بخيوطِ الفَجرِ وشاحاً..
ستظَلُ أمامكِ تَلكَ الطِفْلةَ التي تَعرفيْن..
تجتهدُ تحملكِ بين أعْطافِها و تَرسمُ ملامحكِ علىٰ كلّ الجُدرانِ و البيُوتِ مِنْ شِدّة شَوْقِهَا لكِ و إفْتقَادِها إيّاكِ..
السعادةُ أمنيةٌ لكِ خُطواتٌ و طَرِيق..
كلّ عامٍ و أَيلُول بخيْرٍ بكِ..
وأَنْا صباحي أنت..
تخرج الكلمات من دواتي على إستحياء كبنات شعيب النبي..
تسألك هلا إغترفت لنا من معينك نشرب..
فقد أنهك الصدى مدادنا و نكاد نهلك..
صباحي أنتِ..
عندما يفلت بعض الدفء من قبضة كانون و يغشاني..
أعلم أنني قد خطرت ببالك..
فأذكريني..
و دعي الدفء يتلبس هذا الشتاء الذي يلفني..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
و جلبة الأشواق تصم أذنيّ قلبي..
تقلق راحتي و تستفزني لتجعلني أشمر عن ساعد حرفي لأكتبك آخرى..
لا يسعني الكون برحابته و صوتك عني غياب..
أشتاقك للحد الذي تعلمين..
تفتر السماء عن ابتسامة جزلى..
فقد تبلّج الصبح و أكتست اﻷرض بالضياء..
ونفضت الخلائق عنها سباتها و أفاقت..
و لكني كعادتي معك..
سبقتها..
حملت سلّتي و جمعت بعضا من نسمات السحر اللذيذة و آخر نجيمات زينت جيد الفجر..
و جلست على طاولتي أتجاذبك معها أطراف حديث..
لعلنا نسبق أنفاس الصباح و نهديك بعضا منك..
وردة بيضاء..
تقول أن صباحي أنت..
صباح يكتسيه البِشّر ُو السرور..
صباح يأخذ منك روعته و رونقه..
شيء من ذاك الأريج الحبيب يغمر القلب بالإلفة و الود..
صباح هارب من أزمنة عتيقة..
تلك التي تطرزت أطرافها بألوان قوس المطر..
تخضّبت بشفق الإشراق و تلفحت بأنسام أيلول العليلة..
صباحي أنتِ..
مراياكِ أكثر حظاً مني..
فهي تراكِ أكثر مني..
تحتفظ بصورتكِ في عمقها..
و رغم فرحتها بإحتوائك إلا أنها تلتزم الصمت..
وتغيظني أنا..
و أنا يكفيني أن أغمض عيني لترتسم ملامح ابتسامتك على ملامح وجهي..
صباحي أنتِ..
يبسط الليل سجادته..
فتفترشها النجوم كأنها تتكأ على حواف الكون..
تسامر الظلال و يتراقص نورها الخافت على قطرات الطل..
تنظر إليكِ من ذاك العلو فتتوقف..
أن كيف يختلط الطين بالنور ليتمثل لها بشراً سويّاً..
و يباغتها ضوء الفجر و هي ما تزال مأخوذة بكِ دهشةً..
فتتلفت لتجد أن الليل قد طوى سجادته و يفتر ثغره عن ابتسامة عذبة قائلاً لها: الآن عرفتن سر تعاقبي مع النهار على الأرض.. فقط لتكون هي صباحي..
وصباحي أنتِ..
صار قلبي مصباحاً سحريّا ً ..
أفركه فيخرج الجنيّ الظريف مبتسماً..
يعرف أمنياتي الثلاث مسبقاً..
يدعو الله معي أن تحققي..
صباحي أنتِ..
أشتاق لطاولتي قصيرة القوائم..
تلك التي تجعلني أقلص ساقي و أنا أحاول أن أجاري مقعدها المنخفض..
أحن لتلك الجدران البيضاء المزينة بأرفف الخشب الرمادية..
و الموقد مشتعل النار ..
يبعثر البرد هنا و هناك..
ويحن مسمعي لطقطقة الجمر و الشرارات تضيء عتمة روحي..
و البن يتلوى على تلك المقلاة..
تعطيه لونه اﻷسمر..
رائحته اللذيذة و تراقص حباته داخل المهباج ..
كأنها تضحي بنفسها ﻷجل أقداحنا..
نكهة أودها يا فنجان قهوتي..
أشتهيها معك حتى و إنت كانت قليلة السكر..
صباحي أنت..
أحبكِ من هنا و حتى حواف الكون..
حيث تتمرجح الشمس أمام شرفات القمر..
ويتراقص الليل على شعاع الفجر..
وتبقى الأرض منصتة لأهازيج الكون و هي تحتفي بكِ..
أحبكِ حباً تجرد مما عداه..
فبات صافياً كجدول ماء..
عذباً كضحكةٍ من ثغر وليد..
دافئاً كشعاع الشمس في أول النيروز..
حلواً كنكهة الكرز يغطي كعكة شوكلا و يزينها..
أحبكِ..
كلمة تختصر أبجديتي ..
يا أجمل ما في عمري من كلمات..
صباحي أنتِ..
أود لو ألتقط كل قطر الندى الذي يلثم وريقات الشجر متمنيا لها صباحا جميلا و أنثره أمام باب بيتك..
كم أود أن أتخلل مع الظل تلك البقعة التي تقفين فيها لعلنا نمنع الشمس أن تأخذ المزيد من ألق ضياك..
فكما قلت لك ..
هي تبدو أمامك كلهب شمعة في رمقها اﻷخير..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
و شوقي لكِ..
ذاك الذي يهزني حتى أخمص روحي..
يجعلني أعود لأقتات الأحرف و أزدرد الدموع..
وما لكِ طريق أوبة قريب..
إلا أن يستجيب ربي لدعوتي بأن تسجدي في صحن بيته العتيق..
وأحملكِ إليّ ..
بيدي قلبي كأس زمزمٍ..
شربة لا تظمأ روحي بعدها أبداً..
أحبكِ جداً..
جداً أفعل ..
يتثاءب شعاع الشمس فجرا..
ينسل من فراشه رويداً رويدا..
ينادى للصلاة ثم يبدأ الخلق تفاصيل يومهم..
ذاك عجوز يتوكأ عصاه أوبة من بيت الله و ذاك عامل يشد العزم ثقة برزقه من الله..
و تلك سيدة تعدّ ترويقة الصباح و تباركها بذكر الله..
و أنا بين كل هؤلاء..
أتدثر من هذا القرّ بك ..
أدعو الله أن يجعله يوماً جميلا..
كملامح وجهك..
دافئاً كنبرات صوتك..
وينقصه من تقويم تعدادي..
صباحي أنتِ..
عندما يلقي البرد بثقله على أثمال الدفء التي تضمني..
ويبث أنفاسه في فتغشاني ارتعاشة تهزني حتى أخمص روحي..
فأنني أغمض عيني جيدا و أتنفسك بعمق ..
كيما أهزم هذا القر الذي تلبسني..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
أود أن أحتفظ بك لي وحدي..
أن أخبئك عن الناس..
وأجلس أمامك فاغرةً فاهَ الدهشة كأني ألتقيك ﻷول مرة..
أود أن آخذ من ملامحك ما أزين به الدور في مدينتي..
ومن أنفاسك ما أعطر به ورد حدائقي..
ومن حنوك و طيبك ما أرمم به جدران الروح تلك اﻵيلة للسقوط..
أود بعد كل هذا أن أحمص لك من محبتي قهوة بنكهة الحنين و نشربها سويا في هذا الصباح الجميل..
نتكئ على ساعات أمل اللقيا و تضحكين كيف أني كنت أمزق عن التقويم صفحاته ﻷجل هذا القدح..
صباحي أنتِ..
عندما أقول..
تصبحين على خير..
فإنني بذلك أدعو للسماء أن تظل عباءة أنجمها لها زينة..
و للأرض أن تدوم أشجارها خضراء مورقة يانعة الثمر و عطرة الورود..
أدعو بالخير للبشر..
أن هذا النذر اليسير الذي يعرفك منهم أدعو أن يمتعه الله بك نعمة أبدية..
تستحق الشكر عليها..
أدعو لي..
أن تصبحي على خير ليكون..
صباحي أنتِ..
و أكون أنا بخير..
إعذريني..
تعتريني بعض المناخات اﻹستوائية هذه اﻷيام..
و بالرغم من أنني أمضيتها أحاول إجلاء بعض أشيائي من ذاك الفيضان الذي اجتاح أخاديد روحي ..
إلا أن صباحي أنتِ..
أنتظر شمسك تبدد هذه الأعاصير و تهزم العاصفة بداخلي..
أحبك جدا..
قبل أن أنام أفتح قلبي و أدع ﻷشواقي حرية الرحيل ..
ثم أهشّ على ما تبقى من وجعي لعله يتحسس طريقه لتلك النافذة المشرعة ..
و أخيرا و للضمان أغسل أعتاب روحي بدمعتين..
بعدها أتدثّر بك جيدا..
وأتوسدك ﻷنام..
و عندما تشرق الشمس ألتفت ﻷجد قلبي مترعٌ بك أخرى..
يقفز فرحاً أن أعلاقك مهما صنعت تسربت في خلاياه و أخذت تترسب حتى على ملامح كلماتي..
أحبك جدا..
و .. صباحي أنتِ..
لي قلبان..
واحد بهواها متخم و هو حصر عليها..
تفعل فيه ما تشاء ..
و آخر يملؤه توق لها..
كصدى البيد..
لقطرة ماء..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
و الكلمات لا تلوي على شيء..
يصيبها شوقها لك بالحيرة و الإضطراب..
كأنها أمضت ليلتها في حانة ..
تجاهد أن تعتدل في وقفتها و تترنّح خطاها ذهاباً و مجيئاً..
فهل لها بقدح قهوةٍ قليلة السكر..
لعلّها تستفيق و تحكيك كيف هي صباحاتي بدونك و الشوق لك يملأ أنفاسي..
أفعل جداً..
جداً..
أثقلتني أشواقي..
أتعبتني و هي تجثو على أعتاب قلبي..
تذكّرني بك مع كل خفقةٍ له..
تمنعني الوسن و تستبيح أدمعي..
فهلّا أشفقت علينا ..
ومنحتنا صوتك أخرى..
لعله يأخذ بيدها منحيّا ً إياها قليلاً عن قلبي ..
لأتنفس..
صباحي أنتِ..
ما الصبح من غير عينيك..
ما اﻹشراق..
و ضوء الشمس يعربد مظلما..
يتحسس دربه بين العشب و اﻷوراق..
يشتهيك رشفة قهوة..
توقظ فيه ما خمد من حنين ما برد من أشواق..
صباحي أنتِ..
هناك من يصنعون الفرح..
يغلّفونه بمحبتهم..
ويضعونه سراً أمام بيوتنا..
ويغمروننا بالأمل و يلبسون قلوبنا حلل الإبتسام طوال اليوم..
لستِ منهم صدقيني..
فأنتِ الفرح في حد ذاته..
صباحي أنتِ..
يسألني شوقي لك..
هل هذا كل ما لديك من أجلي؟..
أين ما وعدتِني من أني سوف أتحرر من قلبك..
وأني سأجد بقعة أُنيخ فيها راحلتي المتعبَة..
هل كل ذاك كان ضرباً من تمني أم أنك لا تودين مني صك عبوديتك تمزقيه؟؟..
هل أخبره أنني لم أستزد بعد منك ما يسد رمق غربتي عنك..
ما مضى و ما سوف يأتي..
وأني ورَبّي ألوكُ وجعي كيف أن الدرب تقودني إليك و لا أقوى آتيك..
و لا ألْوي على شيء..
ما أجمل أن تكوني أول الوجوه الحبيبة لقيا و آخرها وداعا..
صباحي أنتِ..
سألت نفسي..
بقدر ماذا تراني أحبك
من اﻷشياء..
هل بقدر عمق المحيط و اتساع السماء..
أم بقدر خضرة الغابات..
و عذوبة الماء..
فكانت إجابتي..
أنني صرت بقدرك أنت..
أحبها اﻷشياء..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
يا آخر المشاعل في بلاد الضوء.. و يا جيش محبتي الذي يحرس قلاع قلبي من غزو الحزن..
يا أجمل البتلات في حقول الزهر و كل شذى اﻷيام..
دثار روحي و بعض من وسن..
يا خارطة من الحنين تحدني شرقا و غربا ..
شمالاً و جنوباً..
كتضاريس الوطن..
يا عشقاً جميلاً..
وبخوراً يضوع بين ضلوعي..
و مزاراً أسرج خيول شوقي إليه..
ما غشيني شجن..
أو أوجعني زمن..
صباحي أنتِ..
كخيط من قميص يوسف يرد على الحروف بصرها..
و يجعل لضوء الشمس معنى..
صباحي أنتِ..
تتربعين على مقرن النيلين ..
نبوءة كخاصة موسى الكليم و الخضر الحكيم..
تتصدرين صباحي و تجملين نهاري و تريحين أصائلي و تسامرين مساءاتي..
تلبسين الفرح لكل لحظاتي..
يا بعض حروف اسمي..
قهوتي..
أتنفسك حياة..
تلبسي ألوان عشقي لك..
كوني كأوراق أكاسيا تناثرت مع مرور نسمات صباح ربيعي جميل..
أو صيري رحيقاً تعلّق على قدمي فراشة تعبث على بتلات زهرة كرز..
والصيف يتأرجح ما بين إشراق و أصيل..
أحنّ إليك..
كحنيني لخفق أجنحة الرهو على قمم الدوم في أفنية دور..
جافاها الخليل..
و أصْطلي بحطب الذكرى ..
لعلي أدفء أوصال يراعي و لم يبق على تشرين إﻻ قليل..
صباحي أنتِ..
في كل المواسم و الفصول..
صباحي أنتِ.. و آذار يتفقد ملكيته..
يراقب اﻷجواء استعدادا لكرنفالات النيروز..
فينحني الزمهرير أمامه و تهب النسائم لذيذة منعشة..
و تحتجب الشمس من عينه خلف غمامات عجول..
تداعب وجه السماء على استحياء..
و يرمقني بنظرة عتاب و يدنو مني .. يسألني..
ما لي أراك تتعجلين رحيلي و أنا من بشرت بك و أحتويت معظم أحبتك ميلادا..
ما عساي أقول له..
هل ﻷني أحتضن أمنية غالية أنك ستزينين عيده هذا العام أم ﻷن برحيله تقترب لحظات اللقيا..
لم أجد غير وردة بيضاء فواحة اﻷريج أعطيها له..
فتبسم .. و هز رأسه .. ثم مضى..
يااااا عسااااك تأتين..
صباح يستفيق على صيب غزير ..
يبلل أثوابه ماء وضوء..
سجادته سماء ملبدة بالغيم ..
وحرور الشمس يفري حشاها ليطل برأسه..
و دعوات من القلب..
لكِ و لهنّ و لها..
و لي..
صباحي أنتِ..
تخيّلي..
لو كانت سنابل قمح يوسف الصديق..
سبع شجيرات بن..
كنت سأختار السبع العجاف..
وأعيشها مرارا و تكرارا..
طمعاً في سنوات من الرخاء معك..
صباحي أنتِ..
كم أودّ لو تمسك حروفي بأيدي بعضها و تصنع لك من كلماتي أرجوحة..
تجلسين عليها كلما داهمك التعب..
و تبتسمين جزلى و هي تحكيك كيف أحبك..
أودّ لو أكون شفافة فقط لتتحسسي كيف أن قلبي ضيق على محبتي لك..
و كم أودّ لو أبقى فضل عمري أحيك لك من شوقي عباءة فضفاضة بقدره..
لتعلمي أن صباحي أنتِ..
صباحك بركة..
كتلك التي أشتهيها جلسة في كل دار..
نتحلق حول جمر كانون كبير..
تصنع فيه جدتي حليبنا و شايهم..
وقهوتها..
وأصوات فتيات الجيران يكنسن بمقشة ترسم على وجه الحيشان الكبيرة شلوخا دقيقة جميلة.. تنقش في عمق قلبي أوشاما..
صباح مثلك..
شجيّ جميل كهدل الحمائم يمتزج بحفيف شجر الليمون ينعش الروح و يفرح الوجدان..
صباحي أنتِ..
انتظرتك..
بلهفة العقيم لشهقة ميﻻد..
و شوق الكنائس لترانيم اﻵحاد..
و تكومت داخل ما تناثر من حنيني..
أشتهيك دفئاً..
يحاكي هذه اﻷعياد..
صباحي أنتِ..
تكدرين صفو قدح قهوتي قليلة السكر و أنت تضعين على منضدة صباحك أكواب شايٍ ثلاث..
تشرفين على تلك الجنة..
شمسا تضيء كل الدنيا..
وابتسامتك كقطع الحلوى تلك..
تجعل كل ما حولي غزل بنات و أصابع كراميل و قوالب شوكولا..
ياااااااه كم أشتاقك..
صباحي أنتِ..
”حي على الصلاة“..
رفعها المؤذن..
”حي على الفلاح“..
تنفست رئتا الفجر فرحا و أبلج الصباح..
و تثاءبت الغيوم بعدما أيقظها نور
الشمس الذي لاح..
و أنت بين اﻷصابع تسبيحة و تحميدة و تكبيرة.. ودعوة صلاح ..
و أنت كل أمنيات قلبي ..
نداي و أريج عمري الذي فاح..
صباحي أنتِ..
درجات الحرارة تستعيد جاذبيتها للصفر..
ويستمتع كانون الثاني بمنظر الرعشة تسري في اﻷجساد..
ولا شيء يضاهي قدح قهوة قليلة السكر..
تسخر من ذاك الصفر وبرد هذا الشهر..
صباحي أنتِ..
أذكر أني كنت أتذمر من أن الصباح يأتي إلي خاملاً كسولاً..
متجهما لا يكاد يفتر ثغره عن إبتسامة..
وأني عادة ما أسدل ستائر نوافذي و أغلق أبوابي في وجهه..
اﻵن.. صباحي أنتِ..
فصرت أخرج أستقبله فجراً..
أحمل قدح قهوتي و أحملق في اﻷفق متى يفيق ليأتيني..
يهديني إياك طوق ياسمين ..
يعطر أعطاف روحي و أردان قلبي..
صباحي أنتِ..
و شوارع قلبي تكتظ بالمارة..
هذا شوق يتعثر بقدم الحنين الذي يفترش الدرب..
فيعتذر ..
و تلك مناكب اللهفة تزاحم في صفوف الحروف..
لعلّها تأخذ دورها باكراً..
فقد تركت صغارها يلهون في روحي و هي تخاف عليّ من شقاوتهم..
يااااااااه..
كم وددت لو أنفض عن أيامي غربتي هذه و أظل بين حواريك و أزقة لقياك..
حتى لو سئمتني..
هل تعلمين أن مجرد سماع صوتك يجعل كل الذي يؤرقني يزول..
أن تلك الضحكة لها مفعول السحر على شجوني..
وأنك حقا أحلى قدح قهوة قليلة السكر يمكن أن أبدأ به يومي..
صباحي أنتِ..
كانون يدلف خلسة ..
ينحر خراف تجلدي التي كنت أراقب قفزاتها كي يأخذني إليك الوسن..
وسن أطرز بأشيائك بقلبي وسائده..
أتدثر بعطرك و أغفو..
دفئك يسري يبدد عباءة كانون..
وأنا ما أزال أرتشفك قدح قهوة قليلة السكر..
أغيظ بك عودة كانون..
صباحي أنتِ..
وجه يطل من نافذة الروح..
يتحسس شرود ضوء الشمس و يستشعر أنفاس السحاب..
يد تمتد من تلك النافذة تلتقط قطرات المطر الشفيفة فرحة بهذه الزخات الجميلة..
و قلب لك يشتاق..
يزدرد كل هذا الفوح و يرتشفك فنجان قهوة بقطعة سكر واحدة..
صباحي أنتِ..
أعيادي تبدأ باكرا هذا العام..
أصعد على سلالم شوقي..
فوق سطح قلبي و أزيل عنه ثلوج كسته طوال العام..
أدهن سياجي بتلك اللحظات التي ضمتنا لقيا ..
فأجدني أضحك ملء روحي..
أزين شجرة الميلاد بصورتك ..
بصوتك ..
ودفء يديك و أنا أحويهما بافتقاد..
وأوقد على بعض اﻷيام التوالي ﻷصطلي..
عيد أيامي سعيد بك..
صباحي أنتِ..
و نجْدُ تنشر عباءة الضباب على جسدها المرتعش زمهريرا..
مؤملة كنت بك لو أوقدت لي بعضا من بخور يعطر هذه اﻷجواء الرطبة الباردة..
ﻻ عليك..
صباحي أنتِ..
وأنت ضوء الشمس يغمر اﻷكوان دفئا..
يبعث الحياة في جسد الدنيا..
شعاع يهزم احتلاك الرؤى و يجعل من اﻷمل مرساة أمان..
انتظرك..
بكل الذي أحمل و أكثر..
ما أصنع و أنت غياب معها ذكاء..
تفصلني عنك المسافة..
و هي يغيبها الشتاء..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
وشباط يتكئ على موسم برده..
يحرّك الطقس كيف يشاء..
وأنا أستحلفه أن يجعل لي استثناء..
أن يهديك لي أريج وردة أتدفأ بها حتى يطل علي آذار..
أصبحنا و أصبح الملك لصاحب الملكوت..
و القلب يا بعض كلماتي ..
بيت عنكبوت..واهٍ.. ضعيف..
يؤرجحه الشوق..
لا يتعاده و لا يفوت..
يطبق الخناق على صوته..
و يأمره السكوت..
يحبس منافذ أنفاسه..و يرقبه..
رويداً رويداً..كيف يموت..
لكن حبيبة أيامي..
صباحي أنتِ..
لذا..
تريني أعزفك لحنا أخضرا..
ينساب عذبا..
يسكن كل حواري و البيوت..
تشرين يخلع على الرياض عباءة نسيم منعش..
يستأذن الشمس أن تشيح بوجهها قليلاً..
كي تلفظ الأرض بعض الحرور الذي أترعها به الصيف الماضي..
كيما تفتح ذراعيها لتباشير المطر..
وتحتضن العشب الأخضر أخرى..
و أنا أتأرجح على أيام تشرين..
صديّةٌ دواتي..
منكّسٌ يراعي ..
خاويةٌ حروفي على عروشها..
لا تلوي على شيء..
أحتاجك كيما أُزهر..
كيما أكتب..
كيما أتنفس..
صباحي أنتِ..
صباحك كل المحبة التي أملك..
تعبد دربك بالنور و بتلات الورد..
يحفّ مواكبك فيها تغريد الطير و حفيف الشجر..
صباح يتباهى ببرودة نسيمه و السماء تختال ببقايا سحب طرزت أطرافها..
و الشمس تبتسم في كبدها..
حانية جميلة ..
مشرقة..
كمحياك صديقة روحي..
صباحي أنتِ..
عندما أشتاق لك..
تبدو كل اﻷشياء كئيبة..
ترتدي اللون الحداد..
لذا تجدينني أسارع ألقي عليها تعويذتي..
بقولي أني أشتاقك..
لألبسها ثوب قوس المطر..
صباحي أنتِ..
صباحي ..
صباحٌ عاشقٌ صبّ..
ثوبه مرقعٌ بالحب..
لرسول الله يهوى..
إيقاعات طبل..
ضحكات طفل..
و أرفف حلوى..
شيوخ تدور و نساء وجوههن نور..
تغشاهم السلوى..
يتزاحمون ..
يتمايلون..
قلبهم تعلّق بالرسول..
لا يسمع لهم غير ذلك..
شكوى
صباحي أنتِ..
عندما يضمّك حلم جميل..
أشتهي حقاً ألا أفيق..
و أتمنّى لو أن لدي عصا سحرية توقف تتابع الثواني و تشلّ خطوات الزمن..
فقط ﻷجل وقت أطول مع أخيلتك و رؤاي..
صباحي أنتِ..
همهمة الفجر توقظ الدنيا ..
يتململ الضوء بين الغيوم و يتلكأ قليلا ..
واﻷطيار تعلو زقزقتها شيئا فشيئا في أعشاشها..
إستبشاراً بقوله: تغدو خماصاً و تعود بطاناً..
و أنا أرقب إبيضاض اﻷفق ..
أرافق خفق اﻷجنحة التي أفردت باﻷمل لعلي أعود بطانا مثلها..
صباحي أنتِ..
أشتاق لو أصحو على ذلك الأمل ..
أنني ربما أكحل عيني بطلتك..
أنك ستسرقين وقتاً مستقطعاً من هرولة عقارب الساعة ..
وتأتين..
أن اليوم سيكون جميلاً بمجرد أن حروف اسمك ستقول لي ..
صباحك زين..
أنا زينة أيامي أنتِ و صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
يا تميمتي الممهورة بتبر الذهب..
أظل في شوقي لك سرمداً ..
يستسقيك قلبي غيثاً ..
يهطل أمنيات لقاء.
صباحي أنتِ..
يا شمسا أشرقت علي من الجنة..
تحمل لي الدفء في خواتيم شباط..
برغم وشاح السحب الذي يلف خاصرة سماء الرياض..
هذه الأيام لا تستيقظ الشمس كما اعتادت..
كانت قديما تتثأب ساعات من السحر و ترفع أغطية الفجر شيئاً فشيئا..
ثم تتمطى قليلا و تشرق..
كانت تأخذني إليك..
وتجعلني أراقب كيف تستعير منك النور و البهجة و الدفء..
لتعود للدنيا تهديك لها أريجا يملأ حواريها و يخجل ورود رياضها..
هذه الأيام أصبحت تشرق مباشرة..
لعلمها أنني أضحيت لا أقوى إليك معها مسيرا..
رغم طول صمتي ستظلين دوما..
صباحي أنتِ..
صباحي أنتِ..
وهامة أيار تنحني و يتقاصر ظل أيامه أمام مشاوير محبتي التي تبدأ خطواتها على درب اللقاء..
وكل عشمي قدح قهوة قليلة السكر..
معك..
الفهرس
منصة ليلى الثقافية
2018م