لبنى قررت إنها تثقفني، باعتبار إني راجل أمّي وكدة (أمي وﻻ أبي؟ هاه هاه هاه).. المهم إنها - لسببٍ ما ﻻ أعلمه - طار ليها في راسها وقررت إنها تقرا لي شعر أدونيس..
طبعاً الموضوع ده ما بيتم بدون ما تسمعني محاضرة عن مكانة أدونيس في الشعر العربي، وأهمية قصائده، ونظرية المنظور اللي هو طوّرها في شعرو وأصبحت تُدَرّس في المدارس والجامعات.. طبعاً أنا احترمت رايها جداً، لكن سجلت صوت اعتراض على تسمية الهراء البكتبو أدونيس باسم (شعر).. يعني معقولة بالله يخوانا، البكتبو المتنبي شعر، والبكتبو الطيرة ده شعر؟ طيب المتنبي راجل دقّة قديمة، هل ممكن تقول نزار شاعر وأدونيس شاعر؟ يخوانا ما تخافو الله ياخ..
وحيث أنني رفضت رفضاً قاطعاً اﻻعتراف بأدونيس كشاعر، بالتالي (الحاجات) اللي هو بخربشها على الورق دي ﻻ تصلح لتسميتها بقصائد.. قال شنو، قال بيختّ نقطة في آخر السطر نظام تعرف إنو البيت انتهى وين.. بيت شنو يا أبو بيت؟ ده لمن تكون الحاجة المكتوبة قصيدة، مش.. والله ما عارف ذاتو يسموهو شنو ده..
بعدين نظرية المنظور دي (بالجد أدونيس عندو نظرية لكن ما عارف اسمها شنو.. نظرية المنظور دي كان بقولها لينا دافنشي أستاذ الفنون في المدرسة)، إﻻ يكون بيدرسها ﻷوﻻدو.. ياتو جامعة وياتو مدرسة البتدرس في الهلام ده؟.. طبعاً الحلقة الجاية حتكون تثقيف عن (نظرية المنظور ودورها في تطوير الحس الفني لطلاب العلوم في المدارس المتوسطة للدول النامية).. المهم..
قال ليك اختارت ليها قصيدة متميزة كدة قال نظام تعرّفني على الشاعر العظيم أدونيس.. بعد ما قلّبت في الديوان مساااااافة (كانت شغالة في الموبايل صراحةً) قامت اتوهطت ليك سمح كدي في نص الكرسي وبدت تقرا (أهم شي قرت بتأثر):
الحب جسد أحنّ ثيابه الليل.
وقّفتها طوالي قبل ما تواصل.. التشبيه ما بطال، أوكي.. الحب جسد.. مع إنها مادية وبتحول الحب من كونو فكرة مجردة لي مادة فانية.. لكن ما مشكلة.. هو ما ﻻبس مالو؟ وﻻزم يكون بالليل ليه؟ ده شنو الكلام الفارغ ده؟..
طبعاً سمّعتني فارغة في إنو أنا أصلاً ما انتظرت أسمع القصيدة، ودي يا دوب البداية.. قلت ليها أول القصيدة كفر، حأنتظر الباقي عشان أعمل بيهو شنو؟ فبعد ما وأدت الثورة في مهدها واصلت تقرا القصيدة:
للأعماق منارات
لا تهدي إلاّ الى اللجّ.
فتحت خشمي عشان أعلّق قامت رفعت لي (اصبعها السبابة) عشان أخرس.. ده كلو بدون ما ترفع عينها من الموبايل تعاين لي أساساً.. وواصلت:
شجرة الحور مئذنة
هل المؤذّن الهواء?
قاطعتها هنا: يا سلاااااام.. أتطلع لامرأةٍ نخلة.. رفعت عينها من الموبايل.. دي الجابها شنو هنا؟.. قلت ليها: قصيدة جميلة جداً.. اتذكرتها بالشجرة بتاعتك دي.. قال لي القصيدة جميلة جداً، لكن ده ما محلها.. لقيت لي فرصة لماضة قمت اتلامضت طوالي: أها، يعني قصدك قصيدة محيي الدين الفاتح قصيدة راقية، والهراء البتقري لي فيهو ده.. هراء؟..
المهم حنختصر الخمسة دقايق الطار فيها موبايلها عشان يفلقني في راسي، والمانوفر الوهمية العملتها عشان اتفاداهو زي بتاع (ذا ماتركس) داك، والموبايل طار ضرب الحيطة واتفرتك.. وعمك (ستيف جوبز) حيكون فخور في قبرو ﻷنو اﻷيفون قرر إنو ما يموت (ده طبعاً بعد ما أنا قمت لمّيت الموبايل والبطارية والكفر والشاشة من الواطة)..
بعد ما أعدت تجميع الموبايل وأديتو ليها، فتحت الصفحة السابقة وواصلت تقرا:
أقسى السجون وأمرّها
تلك التي لا جدران لها.
كان أبي فلاّحًا
يحبّ الشعر ويكتبه,
لم يقرأ قصيدة
إلاّ وهي تضع على رأسها رغيفًا.
رغم الحادث الوشيك اللي كنت حأشارك فيهو قبل دقايق، إﻻ إن ضميري ما سمح لي بإني أسمع الكلام ده وأسكت.. رفعت أصبعي في الهوا وقلت ليها: أستاذ.. أستاذ..
رفعت وشها بالحركة البطيئة.. نعم؟..
قلت ليها ما عندي مشكلة في موضوع السجن البدون حيط ده، لكن طلبت منها بهدوء إنها تشرح لي أبوهو ده بالضبط كان بعمل في شنو.. قاعد في الشارع وبشاغل في النسوان الماشات السوق؟ ﻷنو ده الفهمتو من العبارة دي.. جاراتو ماشات السوق، شايلات رغيفهن (يمكن استبدال رغيف بقفة أو صينية أو أي شئ تاني) وهو قاعد (بقرا في القصيدة).. بالله العظيم؟..
طبعاً سمعت محاضرة عن اﻹسفاف الفكري الأنا بمارس فيهو، وإني ما قادر أستوعب عمق القصيدة، وﻻ الصور البلاغية المبهرة فيها.. أنا موافق تماماً على الكلام ده، ﻷني لسة ما مقتنع بإنو دي قصيدة..
في النهاية قلت ليها ياخي أنجزي وتمّي القصيدة ﻷنو أنا (تعبت نفسياً) زي ما كان صاحبنا بقول، الله يطراه بالخير.. قالت ليك:
الحلم حصان
يأخذنا بعيدًا
دون أن يغادر مكانه.
القصيدة انتهت؟ كلام جميل.. يا ريت لو فعلاً كان في حصان جاء وشال أدونيس ده رماهو من فوق الجبل، ﻷنو ده هراء ﻻ محل له من اﻹعراب.. الحاجة اﻹسمها "قصيدة" دي بدت بي واحد قاعد يفتش في جلابيتو، وانتهت بزول راكب حصان، ومرّت في النهاية بالعجايز القاعدين في الشارع، والهواء البضرب في سلوك الكهربا، وحاجات تانية كتيرة..
قلت ليها انتي بتعرفي نهاية "البيت" كيف؟ قالت لي ما هو بخت نقطة في آخرو.. قلت ليها: آها، يعني هو عارف إنها ما قصيدة، وإنو مستحيل تعرف البنية اﻷساسية للحاجة دي بدون ما يوريك ليها.. ده عكس القصيدة المعروفة، اللي القافية أو التفعيلة بتوريك بنيتها التركيبية.. صاح وﻻ ما صاح؟..
قالت صاح، لكن ده نوع جديد من الشعر إسمو (...).. ما عندي فكرة اسمو شنو ﻷنو جدعتو جنبها.. ده (علمٌ ﻻ ينفع)..
قلت ليها إنتي عارفة أدونيس ده شنو؟.. هزت راسها.. قلت ليها أدونيس ده كان واحد صايع، ﻻ شغلة ﻻ مشغلة، وكان قاعد بلف ليهو في سيجارة خدرا مع صاحبو، وبعد ما سطل قام بدا يقول في الهراء بتاعو ده.. صاحبو بقى "دماغو تقيلة" شوية، فبسطل بعد أدونيس.. قام سمع ليك كلامو ده وبدا يصفق ليهو ويقول ليهو ده كلام عظيم، وانت شاعر كبير، وﻻزم تطلع شعرك ده للعالم عشان يستفيد منو.. وبس.. لكن طبعاً مافي زول أدى أدونيس حقو قدر المعلم الكبير أحمد مطر..
قالت لي بامتعاض كدة: أها قال شنو ده كمان؟..
ههاااااي، جيتيني في محلي.. فتحت ليها موقع أدب دوت كوم وقريت ليها قصيدة (عقوبة إبليس):
طمأن إبليس خليلته : لا تنزعجي يا باريس .
إن عذابي غير بئيس .
ماذا يفعل بي ربي في تلك الدار ؟
هل يدخلني ربي ناراً ؟ أنا من نار !
هل يبلسني ؟ أنا إبليس !
قالت: دع عنك التدليس
أعرف أن هراء ك هذا للتنفيس .
هل يعجز ربك عن شيء ؟!
ماذا لو علمك الذوق ، و أعطاك براءة قديسْ
و حباك أرقّ أحاسيسْ
ثم دعاك بلا إنذارٍ … أن تقرأ شعر أدونيس ؟!
انتهيت من القصيدة وشلت كرعيني وجري برة اﻷوضة..