لدي في العيادة ممرض هندي من الدرجة اﻷولى اسمه (شاكيل).. هذا الممرض يتميز بخاصية فريدة وهي القدرة على رفع ضغط الطبيب بصورة غير صحية على اﻹطلاق، وهو يتفنن في ذلك.. لدي مواقف ﻻ تحصى وﻻ تعد مع صديقي (شاكيل) في العيادة.. خذ عندك هذا المثال..
كنت جالساً في مكتبي في العيادة وناديت (شاكيل) من الغرفة المجاورة.. جاءني وهو يمسح يديه من بقايا الفطور الذي كان يتكون من الرز مع شئ آخر ﻻ أدري ما هو.. (نعم دكتور؟)..
أشرت لجهاز الكمبيوتر الرابض جواري على سطح المكتب.. (أريد منك أن تجهز لي قائمة المرضى الدوريين الذين لم يحضروا للمتابعة هذا الشهر).. كان هذا أمراً بسيطاً للغاية، فقائمة المرضى الدوريين تتكون من بضعة وسبعين مريضاً فقط، والمرضى الذين لم يحضروا للمتابعة الدورية كانوا عشرة.. أمر بسيط كان يمكن أن أفعله بنفسي لولا أنني كنت مشغولاً بتجهيز تقرير آخر على جهاز اللابتوب..
وقف (شاكيل) متحيراً وكأنني طلبت منه أن يقوم بتفكيك رأس نووي وتركيبه من جديد، مع التأكد من سلامته وصلاحيته للعمل.. أشرت مرة أخرى نحو الكمبيوتر وأخبرته أن يأتي بورقة وقلم، ثم ينقل اﻷسماء واﻷرقام الشخصية لعشرة المرضى المبينة أسماؤهم.. موضوع بسيط ومباشر كما ترى..
غطس (شاكيل) في الغرفة المجاورة لفترة مقدرة ثم جاء حاملاً قلمه وورقة نوتة صفراء صغيرة.. حركت كرسيي جانباً ﻷفسح له مجالاً ليقف أمام الكمبيوتر.. قام مشكوراً بنقل اﻷرقام واﻷسماء، ووضع الورقة أمامي ثم غادر - غالباً ليكمل إفطاره..
واصلت كتابة التقرير لعدة دقائق ثم حملت الورقة بيدي.. ما هذا؟.. ناديت (مقصوف الرقبة) مرة أخرى فجاءني مهرولاً..
(ما هذا يا أستاذ؟).. سألته وأنا ألوح بالورقة في وجهه..
هز (شاكيل) رأسه على الطريقة الهندية التي ﻻ تعرف إن كانت تعني نعم أو ﻻ.. (هذه القائمة التي طلبتها).. أجابني ووجهه يحمل نظرة (ما باله هذا المخبول؟)..
نظرت للورقة ملياً ﻷتبين إن كنت أنا المجنون أم هو.. (هذه أرقام بدون أسماء يا وجع قلبي)..
هز رأسه مرة أخرى.. (نعم، نعم.. اﻷرقام تكفي)..
رفعت رأسي من الورقة ونظرت إليه ببلاهة.. (اﻷرقام تكفي لماذا؟ هل هذا سحب اليانصيب؟)..
ضحك (شاكيل) وكأنني كنت أمزح.. (يمكن معرفة اﻷسماء من اﻷرقام فهي مميزة.. الموضوع سهل)..
ضغطت على أعصابي لكي ﻻ أنفجر.. (عزيزي (شاكيل).. هل باﻹمكان حينما أعطيك أمراً ما أن تنفذه كما هو؟.. ألم أطلب منك أﻻ تفكر في أي شئ، وأن تنفذ ما أقوله بالحرف؟ هل هذا الطلب صعب لهذه الدرجة؟ انقل اﻷسماء واﻷرقام، لماذا يصعب عليك فهم ذلك؟)..
هز (شاكيل) رأسه مرة أخرى - يبدو أنها حركة عصبية من نوع ما.. لم أتمكن من معرفة ما إذا كان يوافق على ما قلته أم يبدي اعتراضه..
طلبت منه بهدوء أن يعيد كتابة القائمة، محتويةً اﻷسماء هذه المرة.. وقف ببلاهة في مكانه، غير مصدق لجرأة الطلب الذي طلبته منه..
بعد مضي ثلاث دقائق، وأبو الهول يقف أمامي، كان صبري قد نفد.. (أتعلم يا (شاكيل)؟ أنا متأسف للغاية ﻷنني طلبت منك أمراً صعباً كهذا.. سأقوم بتجهيز القائمة بنفسي، ويمكنك أنت أن تعود لممارسة ما كنت تفعله)..
أمسكت الورقة وحركت الماوس ﻷزيح الشاشة السوداء.. بدأت في حصد اﻷسماء حينما استوقفني الاسم الثاني في القائمة اﻷصلية.. (ما هذا يا (شاكيل)؟.. لماذا لم تكتب رقم المهندس فلان على القائمة؟)..
هز (شاكيل) رأسه للمرة اﻷلف.. (هذا المدير يا دكتور)..
رفعت رأسي ونظرت إليه بعدم فهم.. (سو؟)..
(المدير معروف.. لم أجد سبباً ﻷكتبه في القائمة.. أنت تعرفه جيداً)..
تنهدت في ألم.. يبدو أن انجليزيتي لم تعد على ما يرام.. (يا بني آدم.. طلبت منك تجهيز القائمة.. لم أطلب منك التنظير وإبداء رأيك.. حسناً.. هذه غلطتي بالكامل.. أنا متأسف)..
واصلت إضافة اﻷسماء للقائمة حتى انتهيت إلى اﻻسم الثامن.. أين بقية اﻷسماء؟..
سألته عن ذلك فقال: (أرجو أﻻ تكون قد فتحت الملف الموجود على سطح المكتب.. هذه نسخة قديمة.. النسخة اﻷخرى موجودة في مجلد داخل محرك اﻷقراص سي)..
تأففت في غيظ.. (يا بني آدم.. كم مرة أخبرتك أﻻ تصنع نسخاً مختلفة من نفس الملف؟ ألم أخبرك أن تترك جهازي هذا في حاله؟)..
هز (شاكيل) رأسه.. (ولكن ماذا سيحدث لو أدخلت بيانات خاطئة في الملف؟ هه؟ يجب أن يكون لديك نسخة احتياطية)..
صمت لحظات ﻷهضم هذا المنطق.. (شاكيل)؟..
أجابني بابتسامة عريضة.. (نعم دكتور)؟..
(أطلع بره)..