كنت جالساً بارتياح، أشاهد للمرة الخامسة، فيلم (ذا برستيج) من بطولة الصاروخ (هيو جاكمان) والمعلم الكبير (كرستيان بيل).. إذا كنت لم تشاهد هذا الفيلم المرشح للأوسكار فأنصحك أن تترك ما تفعله اﻵن وتبحث عن طريقة لتحميل الفيلم.. أنا أعرف أنك مجرم وستجد موقع تورنت تحمل منه الفيلم بجودة (بلو راي)..
هل شاهدت الفيلم؟ حسناً.. كنت أتابع تلك اللحظة المحورية التي غرقت فيها زوجة (هيو جاكمان)، مما أدى لتدهور العلاقة بين البطلين.. (هيو جاكمان) لم يستطع أبداً أن يغفر لـ(كرستيان بيل) تسببه في مقتل زوجته.. هذا (الكلب المنافق) كما كانت جدتي تقول حينما تغضب من بطل المسلسل الخائن.. ﻻ بد أن تنطق (المنافق) بكسر الميم وتخفيف القاف لتعطي المعنى المطلوب..
كانت هي تجلس على السرير، بينما كنت أنا أجلس على الكرسي المجاور..
همهمت بشئ ما.. لم ألق لها بالاً، فالدراما على الشاشة أكثر مما يتحمله الموقف.. كان وجه (هيو جاكمان) يعكس ألمه وقلة حيلته وهو يشاهد زوجته تخرج الروح أمامه وهو ﻻ يستطيع مد يد المساعدة لها.. كان ذلك حينما..
(كليك).. تغيرت القناة لقناة أخرى تعرض فيلماً كرتونياً ما، أظنه كان (مدغشقر).. هذا فيلم جميل وأنا أحبه، ولكن ليس اﻵن.. ليس اﻵن..
التفت إليها في رعب ممزوج بالغيظ والغضب واﻷلم.. (لماذا قمتي بتغيير القناة؟ أﻻ ترين أنني أتابع الفيلم؟)..
هزت رأسها بلا اهتمام وراحت تنظر للشاشة..
(أﻻ أتحدث معك؟ عبريني على اﻷقل وانظري إلي وأنا أتحدث معك)..
حولت عينيها عن الشاشة لحظة لتطالع وجهي الذي صار شعلة ملتهبة.. همهمت بشئ ما ثم عادت تطالع الشاشة البراقة.. لم أتمكن من فهم همهمتها من شدة الغضب..
كدت أتفجر من الغيظ.. ما هذه الجرأة والوقاحة؟ ما هذه الـ... الـ.. ﻻ أجد لها وصفاً فهي تفوق الوصف بمراحل..
نهضت من مقعدي واقتلعت الريموت اقتلاعاً من بين براثنها.. استغرقني اﻷمر عدة محاولات ﻷجد زر تحويل القناة فالغضب أعمى عيني تماماً..
عاد الفيلم من جديد، بعد أن طارت عدة مشاهد كنت أحفظها عن ظهر قلب.. ليست الفكرة في ضياع المشاهد وإنما في انقطاع التواصل الدرامي، رغم مشاهدتي للفيلم عدة مرات من قبل..
لم ألق بالاً لاعتراضاتها التي لم تكتمها هذه المرة.. وجهت الريموت نحو التلفاز ورفعت الصوت حتى اختفى صياحها تحت الموسيقى التصويرية الدرامية..
أظن أنه قد مضت عدة دقائق وأنا منغمس في المشاهدة.. كان هذا حينما انطفأت الشاشة فجأة..
ما لم ألاحظه هو أنها غادرت السرير وتوجهت نحو التلفاز.. لم ألاحظها وهي تقف إلى جوار التلفاز وتنظر إلي بغضب.. تجاهلي لها أشعل موقفها أكثر، فما كان منها إﻻ أن مدت يدها وهوت بها على زر اﻹغلاق، لتقتل الفيلم قتلاً..
(ما هذا أيتها المجنونة؟ لماذا فعلتي ذلك؟).. لم ترد علي.. أعطتني ظهرها ويممت شطر الباب..
اضطررت للنهوض من كرسيي والذهاب للتلفاز ﻷعيد تشغيله ﻷن الريموت ﻻ يعمل حينما تطفئ التلفاز من الجهاز نفسه.. أعدت تشغيل الفيلم ووقفت في مكاني أتابع بنهم اﻷحداث الدرامية المتوالية.. لم أكن سأغادر مكاني ﻷعطيها فرصة العودة وإغلاق التلفاز من جديد..
لم أنتبه إﻻ حينما صاحت أختي من الخارج: (ألم أترك معك هذه الطفلة؟ لم تركتها تغادر الغرفة؟)..
كانت الطفلة التي لم تكمل عامها اﻷول قد غادرت الغرفة حبواً، بينما وقفت أنا أكمل مشاهدة الفيلم العظيم..