أمسك هاتفه الجوال ..و بيد مرتعشة .. بدأ يضغط الأرقام (...........091) و إستغرب !!!..كيف أنه مازال يحفظ الرقم رغم مرور ما يقارب الخمس سنوات علي محاولة مشابهة,
تردد كثيراً و هو ينظر الي الرقم في شاشة الهاتف ,قبل أن يضغط علي الزر الأخضر
و ظلّ ينتظر... لم يكن الأمر ليتعدى ثوانٍ.. لكنه ذاق فيها الأمرين . . إرتعش فيها صدره الف مرة . . و إقشعرت أبعد شعرة في جسده.. ثوانٍ حتي سمع رداّ . .و بصوت أنثوي هادئ و كخنجر قاتل يقتص أحشائه.. كانت كل كلمة منها تحوي ألماً لا يوازيه ألم .. و بالرغم من ذلك ظل يستمع .....
" عفواً هذا المشترك لا يمكن الوصول اليه حالياً.. الرجاء محاولة الإتصال في وقت لاحق"
ألف ذكرى داهمته و هو يستمع لتلك الجملة, بل و ألف صوت لصاحبة الرقم
لم يكن الرد مفاجأة له . .
و لم تدرك صاحبة الصوت المبرمج انه كان أعلم الناس بهذا في اقصى جهات روحه
لم تدرك حتى أنه لا فائدة من الوقت اللاحق . . وأنه ما من شئ كان سيتغير
لا شئ كان سيمنعه من الوصول اليها لو كان ممكناً .... لا .. و لا حتي جبال الإلب
لا. . و لا حتى ليالي الشتاء ... كتلك التي قضاها يرقب الافق
و لا حتي محيطات الدنيا كلها ... فما هي اكثر من ما زرفته عيناه في غيابها
لم تدرك انه يرى اقترانه بها يستحق شق الأرض الي نصفين . .
و زلزلة الأرض مرتين
لم تدرك تلك الليالي الطوال التي وقف فيها علي حواف الليّل ينتظر رجوعها .. و هو يعلم إستحالة الأمر
يعلم استحالته و لا يعلم اي أرض تلك التي تنعم بعطر ضفائرها؟
و أي شمس تستقي ضوء بهائها؟
فما من ارض كانت ستخفيها عنه مهما دنت .. و ما من سماء ستحجب انعكاسها فيها و إن أظلمت
فلا هي الأرض كما كانت و لا هي الحياة بغيرها
و لو أدرك للموت ارضاً لأتخذها له داراً
و لو كلفه الأمر ما كلّف . . ما من شئ يجعله ينتظر .. لكان بها و منها
و ما كان ليستمع لذلك الصوت يخبره انها ابعد من المنال
إنه فقط .. ذلك الحنين الى صوت ما عاد في الإمكان ان يُسمع مجدداً
القي الهاتف علي الطاولة . .
وسحب منديلاً يمسح به دمعة عابرة . .
و أخرج سجائره ينفث سأمه ناراً ورماداً
و عاد إلي ما كان فيه كعادته.. مبتسماً ... كأن ما من شئ به.
و .. مضى
مضي و في ذاته الف صوت لها يتردد في ارجاءه . . و ضحكتها.
يوسف قسم السيد
السبت، 05 شباط، 2011